المساعد أول فريد ندى المذهان، والمعروف بلقب "قيصر".

من مواليد مدينة الشيخ مسكين في محافظة درعا عام 1969.

تطوّع المذهان في الجيش السوري أواخر الثمانينيات، ثم انضمّ إلى الشرطة العسكرية، وعمل في المستوصف الطبي في سجن المزة العسكري، حيث التقى هناك معتقلين منهم الضابط البعثي صلاح جديد والرئيس السوري السابق نور الدين الأتاسي، وفق مقابلته في "بودكاست بدون ورق" (منشورة في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2025). وخدم في سجن المزة العسكري 11 سنة، قبل أن ينتقل إلى قسم الأدلة القضائية في الشرطة العسكرية، حيث كُلّف برئاسة القسم قبيل الثورة السورية.

وبعد الثورة السورية، أصبح مسؤولًا بحكم موقعه عن توثيق صور جثث المعتقلين الذين قُتلوا تحت التعذيب في سجون النظام. ونفذ خلال ذلك أضخم عملية تسريب من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد حتى انشقاقه أواخر 2013، حيث شملت الصور آلاف المعتقلين المتوفين، واستمرت عملية تهريب الصور وتوثيقها وتجميعها خلال الأشهر السابقة على الانشقاق والخروج من سوريا، إذ كان المذهان ينقلها يوميًا من مقر عمله في دمشق إلى مكان إقامته في مدينة التل بريف دمشق، بالتعاون مع أسامة عثمان المعروف بلقب "سامي"، والذي ينقلها بدوره إلى فريق متعاون خارج سوريا.

بحسب وثائق أمنية للمخابرات الجوية اطلعت عليها "الذاكرة السورية"، فقد تعرّض المذهان للتوقيف على حاجز للاستخبارات العسكرية في 23 أيلول/ سبتمبر 2013، بسبب حيازته هوية مزروة كان يستعملها للتنقل بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة الثوار في التل.

سرّب المذهان ما يقارب 27 ألف لقطة (إذ كانت جثة الضحية تُصور أحيانًا بعدة لقطات ومن زوايا مختلفة وفقًا للإصابات والعلامات الفارقة في جسده) لحوالي 7 آلاف معتقل قتلوا تحت التعذيب بين آذار/مارس 2011 وآب/أغسطس 2013 (ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن الصور تعود لـ 6786 شخصًا قُتلوا داخل معتقلات النظام)،

وبحسب تحقيق أمني أجراه النظام حول ملف قيصر، اطلعت عليه "الذاكرة السورية"، فقد   ****  بلغ عدد صور الموقوفين المتوفين منذ بداية الثورة السورية حتى نهاية آب/ أغسطس 2013 حسب ملفات الشرطة العسكرية 30813 صورة لـ 8137 جثة عائدة لعدة جهات أمنية وتشكيلات عسكرية ، وكل جثة مُدون عليها رقمها الأساسي ورقم الفرع العائدة له والرقم التسلسلي المُعطى لها من قبل إدارة الخدمات الطبية والطب الشرعي على قصاصة ورقية بيضاء اللون. وبحسب تحقيق النظام فإن عدد الموقوفين المتوفين في الأجهزة الأمنية خلال المدة المحددة بلغ 7865 جثة، وإن جميع الصور المُسرّبة عائدة لموقوفين متوفين في أفرع شعبة المخابرات (الفرع 227 - الفرع 235 - الوحدة 215)، وإن نسبة الموقوفين المتوفين العائدين لأفرع الأمن العسكري هي 90,6% من المجموع العام ، ونسبة الموقوفين المتوفين العائدين لإدارة المخابرات الجوية 4,5% من المجموع العام ، ونسبة الموقوفين المتوفين العائدين لإدارة المخابرات العامة 2,5% من المجموع العام ، أما الباقي نسبتهم 1,4% من المجموع العام . 

بعد انشقاقه أواخر عام 2013 وخروجه من سورية، انتقل المذهان إلى الأردن وقطر وتركيا، ثم استقر في فرنسا تحت حماية مشددة، وتواصل خلال تلك الفترة مع مؤسسات حقوقية سورية وأوروبية ومحاكم دولية لتقديم الأدلة والشهادات التي توثق جرائم النظام بحق المعتقلين.

بعد خروجه من الأردن إلى قطر تولى مكتب "كارتر روك" للمحاماة البريطاني مهمة التحقق من هويته، والتدقيق في صحة الصور التي هربها، وأطلق عليه الفريق القانوني في المكتب لقب "قيصر"، وعمل المكتب بتكليف من الحكومة القطرية على إعداد ملف قانوني حول الصور المهربة، وخلص التحقيق إلى أن الصور التي قدمها تعد دليلًا على الجرائم التي ارتكبها النظام بحق المعتقلين في سجونه.

في 21 كانون الثاني/يناير 2014 ظهر ملف "قيصر" لأول مرة بعد نشر فريق تحقيق دولي تقريرًا بعنوان "مصداقية بعض الأدلة بما يتعلق بتعذيب وإعدام الأشخاص المسجونين من قبل النظام السوري الحالي" كشف عمليات تعذيب وقتل ممنهجة في سجون نظام الأسد اعتمادًا على صور "قيصر" المسربة، وبعدها عرض المذهان شهادته في جلسة استماع علنية عُقدت في واشنطن أمام لجنة العلاقات الدولية في الكونغرس بتاريخ 1 آب/أغسطس 2014.

رفع أسامة وفريد دعاوى قضائية أمام المحاكم في فرنسا وألمانيا، بالتنسيق مع منظمات حقوقية سورية وأوروبية، وبالتعاون مع أهالي الضحايا وعدد من الشهود، وأدت شهادات المذهان أمام القضاء الفرنسي، إلى جانب شهادات عثمان أمام القضاء الألماني ووحدة مكافحة الحرب الفرنسية، إلى إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق عدد من المسؤولين وضباط الأمن التابعين للنظام، بينهم علي مملوك وعبد الفتاح قدسية وجميل الحسن، وتم القبض على بعض الضباط ومحاكمتهم في أوروبا.

استنادًا إلى الشهادات والصور التي قدمها "قيصر"، أقر الكونغرس الأميركي "قانون حماية المدنيين السوريين" أو ما يُعرف باسم "قانون قيصر" في 11 كانون الأول/ديسمبر 2019، والذي فرض عقوبات اقتصادية على نظام الأسد وحلفائه، بالإضافة إلى الشركات والأفراد المرتبطين به، ودخل حيز التنفيذ عام 2020.

بقيت هوية المذهان مجهولة حتى سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، حيث كشف عنها لأول مرة في لقاء مع قناة "الجزيرة" بتاريخ 6 شباط/فبراير 2025، وذكر خلالها أن قرار الانشقاق اتخذه منذ بداية الثورة السورية، لكنه أجل تنفيذه ليتمكن من جمع أكبر عدد ممكن من الأدلة والصور عن المعتقلين الذين قُتلوا تحت التعذيب.

وقال المذهان في لقائه مع "الجزيرة" إن أوامر التصوير والتوثيق تصدر من أعلى هرم السلطة، للتأكد من تنفيذ أوامر القتل وتقديمها باعتبارها دليل ولاء مطلق من قبل قادة الأجهزة الأمنية لنظام الأسد، وكشف أن أول تصوير لجثث معتقلين كان بمشرحة مستشفى تشرين العسكري بدمشق لمتظاهرين من درعا في آذار/مارس 2011، مؤكدًا أن الموقوف بمجرد دخوله المعتقل يوضع رقم على جثته بعد قتله، وأن مواقع جمع وتصوير الجثث كانت في مشرحة مستشفى تشرين العسكري وحرستا، إضافة إلى مرأب السيارات في مستشفى المزة العسكري.