واقع دير الزور قبل الثورة وزيارة بشار الأسد
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:17:32:17
إحدى القصص التي حصلت لدينا وهي مشهورة في القرية (بقرص التحتاني) أنه كانت لدينا آنسة (معلمة) من الطائفة العلوية، كانت تدرِّس في الثانوية والإعدادية، وكان لدينا شباب، وكان الدرس عن موضوع الثروات الباطنية في وقتها، وتحدثت عن النفط وغيره، والشباب كانوا واعين فسألوها: "النفط أين يذهب؟! إنه لا يدخل في الميزانية (ميزانية الدولة) ولا يطوّر البلد." فأجابت: إنَّ النفط يذهب إلى [وزارة] الدفاع مباشرة من أجل مواجهة إسرائيل والغرب وما يشبه هذا الكلام، ودار نقاش بين 3 طلاب في الصف مع الآنسة وهو نقاش طبيعي عادي، وكان موجودًا معهم أحد أبناء القيادات الحزبية في القرية وكان أيضًا أستاذًا في المدرسة في وقتها، بعد أن خرج الابن أخبر والده أنَّه دار كلام ونقاش مع الآنسة حول هذا الموضوع، وذكر له أسماء الشباب، وطبعًا وعلى الفور كتب بهم تقريرًا جيدًا ( مفصّلًا)، وفي ذات اليوم أو في اليوم التالي تمت مداهمتهم واعتقالهم، واعتُقل الشباب وهم لا يعتبرون شبابًا فقد كانوا في الصف العاشر أو التاسع، يعني[اعتُقل] الشباب مع الآباء، وبدأت مرحلة التعذيب والدورة كاملة [وكانوا يسألونهم]: من علّمك؟ من حكى لك؟ ومن يتكلم أمامك هذا الكلام؟ ولماذا قلت هذا الكلام؟ وما هي الدوافع؟ فكانوا يريدون أن يعرفوا من علمك وجعلك تتكلم بهذا الكلام؟ فأنت في النهاية لست واعيًا لما تقوله، ولكن أخبرنا من قال لكم ذلك، فلا حول ولا قوة لهؤلاء الطلاب واعتُقل آباؤهم معهم، واعتُقلوا 3 أشهر أو شهرين لا أذكر المدة بالضبط، ولكن التعذيب كان بشكل غير طبيعي، وأثناء تعذيب الآباء كانت المقولات المشهورة [التي توجه لهم]: "كي تعرفوا [كيف] تربون أبناءكم وتعلمونهم كيف يقولون هذا الكلام" وهذه كانت قصة [تتكرر] كثيرًا في القرية، فإذا كنت تريد أن تتكلم بالسياسة فإنك ستخاف، وستضطر أن تتوقف مئة درجة (تحسب ألف حساب) فصار لديك خوف من أن يأخذوك، والناس كان لديهم خوف غير طبيعي، وبعد مشكلة "الإخوان" وبعد عدة أحداث أصبح لدينا خوف غير طبيعي لأنني إذا تكلمت سيأخذونني، وتعرف أن هناك سلسلة تعذيب في عدة أفرع أمنية واستدعاءات.
في تلك الفترة أولًا أخرجوا الشباب، واعتبروا أنهم لا علاقة لهم بذلك وفي النهاية الذين بقوا هم الآباء، بقوا فترة أطول من الشباب، وكذلك كان تعذيبهم أكبر، و[بالنسبة] للناس كل عائلة استقبلت ابنها، وكان لدينا خوف من الذهاب لرؤيتهم أو كذا، فكان هناك خوف كبير من هذا الأمر، وفي وقتها صار من يتحرك أي حركة فإنه محسوبة وأي حركة للقرية كانت محسوبة، وتُنقل على شكل تقرير منسوج لكل الأفرع، فأي حادثة تحصل بالنسبة لنا كقرية أو إذا كانت هناك مشاكل فإن التقارير ينسجونها بطريقة خطيرة، فلدينا أكثر من شبيح وخصوصًا جماعة الحزب (حزب البعث)، فقد كان لدينا عدة أشخاص وأحدهم يقول بالنسبة للحزبيين -في بداية الأحداث- مقولة مشهورة في القرية: "سب على أمي ولا تسب على النظام أو الأسد."
[درست الثانوية] في ثانوية عثمان بن عفان في القرية، وبالنسبة لقريتنا فيها تقريبًا 4 أو 5 مدارس ابتدائية كبيرة وفيها مدرسة ثانوية وذلك بالنسبة لبقرص التحتاني، وفي بقرص الفوقاني كذلك توجد مدرسة ثانوية، و[كانت المرحلة]الإعدادية والثانوية تُدرّس في نفس المدرسة والتي كانت كانت ثانوية "عثمان بن عفان"، كل أطفال القرية يدرسون الإعدادية والثانوية في هذه الثانوية ما عدا ثانوية الصناعة، فالذي يريد أن يدرس في ثانوية الصناعة فإنه يدرس في ثانوية الصناعة في [مدينة] الميادين.
في الدراسة الإعدادية، أذكر أنه كان لدينا دائمًا الانتماء... وكانوا يحضرون لنا في بداية الموسم الدراسي أوراقًا، ويقولون لنا: سجِل أنك عضو عامل أو عضو نصير في حزب البعث. فيسجل الطالب طلب انتساب، وكان هناك عدد من الطلاب أقاربهم من "الإخوان" فلا يقبلونهم، ولكن يجب أن تسجل طلبًا بأنك تنتمي، ولكنهم لا يقبلونك، وبالنسبة للأعضاء فقد كانت لدينا الاجتماعات الدورية، فكل يوم هناك اجتماعان، كانت هناك اجتماعات دورية للأعضاء العاملين وأكثرهم كانوا موظفين، ويحضرون بعض الطلاب، وأنتم تعرفون تعليمات حزب البعث وإرشاداته، فهذه السياسة الدائمة ليس فقط في قريتنا وإنما في كل القرى والمدن والبلدات في ريف دير الزور بالمجمل وفي كل سورية على ما أعتقد بشكل عام.
يضطر معظم الشباب [للهجرة]؛ لا يوجد بيت في قريتنا ليس فيه شخص مهاجر إلى الخارج، وأغلب الهجرات تكون إلى دول الخليج، والسبب الأول هو الإمكانات المادية، وكل القرية مقسومة إلى قسمين، والعمل الأكبر للقرية هو الزراعة وتربية المواشي، ولدينا نسبة كبيرة من المتعلمين ضمن القرية، فقرية بقرص التحتاني عدد سكانها 25 ألف نسمة فيها من الجامعيين تقريبًا أكثر من 2000 مع من يدرسون في المعاهد، وهي نسبة كبيرة وتعتبر الأولى على قرى دير الزور بالنسبة للتعليم، لم يكن هناك توظيف، فترى مهندسًا قد وُظّف كمعلم وكيل، حتى إنه ليس معلمًا، وسيبقى عدة سنوات ليقوموا بتثبيته، وإذا كانت لديه واسطة فإنه يذهب إلى غير وزارة، والذي لديه واسطة كبيرة وضخمة يذهب ويعمل في النفط مهما كان عمله، كان راتب [العامل في حقول] النفط يساوي ضعفي أو 3 أضعاف الرواتب العادية عدا عن ذلك هناك الحوافز والامتيازات التي كانت تُقدم لموظفي النفط، فقد كانت لديهم سلال وإعانات شبه شهرية من الغاز وغير ذلك، وبالنسبة لكل شباب القرى كان كل الجامعيين سواء كانوا من كلية أو معهد أو كانوا مهندسين فإن الأمنية الكبرى لديهم أن يعملوا في النفط، وأكثر الذين كانوا معززين ماديًا هم الموظفون في النفط، فالذي لا يستطيع أن يتوظف في النفط يتوظف كموظف عادي، والذي لا يريد أن يتوظف كموظف عادي أو الذي ليس دارسًا وليسوا نسبة كبيرة، فقد كانت قريتنا تتنافس بين بعضها[وكل عائلة تقول]: أنا عندي عدد أكبر من الطلاب الجامعيين. فكان هناك تنافس شديد... واضطرت نسبة كبيرة من الشباب للهجرة إلى الخليج، فترى أنه لا توجد عائلة إلا وفيها اثنان أو ثلاثة... وفي الخليج كانت الرواتب أفضل، ولكنها تستنفذ طاقات القرية؛ فترى الشاب يخرج وهو في العشرينات من عمره فيبقى سنتين أو ثلاث، وعندما تراه تجد أن الغربة قد أكلته، والذي يعود بعد أن حسَّن أموره يكون قد جمع رأس مال فيفتح مشروعًا صغيرًا أو يشتري أرضًا أو عدة أشياء بإمكانها أن تُعينه، فالسبب الرئيسي أنه لم يكن هناك توظيف ولم تكن هناك مشاريع لتوظيف الشباب بالمجمل، يعني كان الذي يريد أن يتوظف يحتاج إلى واسطة، فإذا كنت [خريج] معهد فإن موعد حصول مسابقة (مسابقة توظيف) الله أعلم به (لا أحد يعلم بموعدها)، وإذا كنت جامعيًا فإن موعد المسابقة لا يعرفه أحد، وإذا تقدمت للمسابقة فإنك من الممكن أن تنجح [في مسابقة التعليم] الأساسي إذا كانت لديك واسطة، وإذا لم تنجح [عليك أن] تنتظر المسابقة التي بعدها بعد سنة، وكان أغلب الذين لا يسافرون يضطرون إلى أن يدفعوا أموالًا لأحد الأشخاص المحسوبين لدى النظام لتيسير أمورهم بالنسبة للتوظيف.
أذكر في وقتها إحدى القصص التي حصلت أثناء قدوم بشار الأسد إلى دير الزور، ربما كان ذلك - لم أعد أذكر- في 2006 أو في 2007 لا أذكر هذا التاريخ، في وقتها عُطلت الهيئات وبشكل خاص المدارس، وكان على كل الناس أن يذهبوا لاستقبال المجرم والترحيب به، وقبل يوم أو يومين في المدارس وبرعاية الفرق الحزبية يتم اختيار أغلب الطلاب وخصوصًا الطلاب الذين تكون أجسامهم كبيرة وطويلة كي يحملوا علمًا أو صورة ، فكان في مدرستنا -بحسب ما أذكر- أمين الفرقة الحزبية ومعه مدير المدرسة يتجولان، فيدخلان إلى الصف، وينتقيان منا، ويقولان: " أنت، وأنت." ويقولان لك: "ستأتي بعد المدرسة لتأخذ العلم والويل لك إذا جئت والعلم ممزق أو إذا أضعته." وإذا [كنت] ستأخذ صورة فكان الجرم أكبر إذا انشقت (تمزقت) الصورة، وأغلب الصور ورقية: صورة للمقبور (حافظ الأسد) وصورة له (لبشار الأسد)، وفي وقتها دخلوا إلى صفنا، وبدؤوا بالاختيار، وأنا كنت طويلًا منذ صغري فوقع عليّ الاختيار بمجرد أن رأوني فقالوا: أنت. وفي ذلك الوقت كنا ننتظر العطلة، فإذا كان يوم غد عطلة، فلماذا تذهب إلى مدينة دير الزور، وتقطع 35 كيلو مترًا؛ كي تبقى متروكًا تحت الشمس لتصفق... وأنت بإمكانك أن تذهب، وتتسلى في القرية وهذا أفضل، وأنا قلت لهم: لست ذاهبًا. وربما كنت في ذلك الوقت في الصف التاسع أو العاشر ولم أقلها من مبدأ سياسي، ولكن قلت لهم: لن أذهب. في وقتها أمين الفرقة الحزبية قال لي: لا، يجب أن تذهب. فقلت له: لن أذهب. وهنا قال لي: سنرى غدًا هل ستذهب أم لا؟ وهنا تدخّل أستاذ المدرسة الذي كان موجودًا، وكانت تربطنا به صلة قرابة، فتدخل، وغيّر الموضوع، واضطر أن يقنع أمين الفرقة الحزبية أنَّ هذا ما خرجه (غير مناسب) ولا يريد، ومن الأفضل ألا يذهب، ولديه عمل. فاضطر إلى إنقاذي من هذا الموقف، حتى إنه بعد أن خرج قال لي: من الخطأ أن تقول له هكذا وأن تقول له: لن أذهب بشكل علني، فبإمكانه أن يروحك [يعرضك للكثير من الأذى] فلو أن الأستاذ لم يتدخل في وقتها... وتجولوا على كل الصفوف ليس في مدرستنا فقط وإنما في كل المدارس، وأخذوا الناس إلى المسيرة لاستقبال المجرم، فكان هناك تفتيش في وقتها فيفتشون الأشخاص حتى لو كان أحدهم طالبًا، أذكر أن أحد الأشخاص من قريتنا وكما هي طبيعة القرى فإن أغلب الرجال يكونون مسلحين، والسلاح أمر طبيعي وأساسي في البيت، فقد كان يحمل مسدسًا، وربما اعتقلوه حتى اليوم التالي، ثم أُخرج، وكان خارجًا بالصدفة ومعه مسدسه، فاعتقلوه، وقالوا له: كيف تأتي إلى المسيرة ومعك مسدس؟! فكانت تشديدات أمنية كبيرة ومحاولة لإظهار أنَّ الناس كلهم معك ويريدونك وما يشبه ذلك.
بالنسبة للسكن فإن 90% من قرى ريف دير الزور أو أغلب القرى على جانبي نهر الفرات، وبعد القرى هناك الصحراء والأراضي التي فيها الحقول والآبار، فكانت هناك شركات كبرى فرنسية وأمريكية هي الأساسية في استخراج النفط، وكانت الأضرار في وقتها على المنطقة المحيطة بها وعلى الموظفين أنفسهم، هناك موظفون بعد أن تقدموا بالسن أصيبوا بأمراض بسبب الإشعاعات كالسرطانات وغيرها -عافانا الله وإياكم- فكان النفط كما قلت لك: كنا نعرف أنَّ هذا حقل "العمر" مثلًا، وهذا حقل "الكونيكو" وكانا من أكبر الحقول، وحقل "العمر" يتبع له عشرات الآبار، وحقل "كونيكو" للغاز من أكبر حقول الغاز في الشرق الأوسط، وكل موارده وإيراداته وأغلب موظفيه... وكل إيراداته كانت تذهب إلى جيب القيادة، ونسبة كبيرة من موظفيه من الساحل أو ما يتبعهم، والعمل في الحقول يعتبر حلمًا، على الرغم من الإمكانات الكبيرة لدى الشباب في كل القرى ومنها قريتنا، ومئات الجامعيين وفي القرية فهناك أكثر من 2000 طالب جامعي، والموظفون في الحقول عشرات [فهو عدد] لا يذكر، والعشرات الذين توظفوا يتوظفون بواسطات، إما واسطة أو حظًا وخصوصًا النفط فكان هناك تركيز كبير على أن تكون إدارته والذين يمسكون زمامه بشكل دائم هم من الطائفة العلوية.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2022/08/25
الموضوع الرئیس
أوضاع ما قبل الثورةكود الشهادة
SMI/OH/132-02/
رقم المقطع
02
أجرى المقابلة
بدر طالب
مكان المقابلة
اعزاز
التصنيف
مدني
المجال الزمني
قبل الثورة
المنطقة الجغرافية
محافظة دير الزور-محافظة دير الزورمحافظة دير الزور-بقرصمحافظة دير الزور-مدينة دير الزورشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
حزب البعث العربي الاشتراكي
فرع حزب البعث في دير الزور
حقل كونيكو للغاز

حقل العمر