قرية بقرص ومدينة الميادين وتبعات أحداث الثمانينات وحرب العراق
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:21:49:05
أنا أحمد حنيف المحمد من مواليد قرية بقرص تحتاني 1991، درست المرحلة الابتدائية والثانوية في القرية (قرية بقرص التحتاني)، وبعدها في عام 2009 دخلت جامعة حلب [ودرست في] كلية الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وتخرجت، في بداية تحرير حلب توقفت عن الدراسة لمدة سنة تقريبًا، ثم عدت وأكملت دراستي، وفي بداية عام 2015 تخرجت، وخرجت باتجاه المناطق المحررة.
درست الابتدائية والثانوية كلها ضمن القرية، والقرية سنتحدث عنها بالتفصيل؛ قرية بقرص تُقسم إلى قسمين: بقرص تحتاني وبقرص فوقاني، وقرية بقرص تحتاني هي شبه جزيرة يحيط بها نهر الفرات من ثلاث جهات، وعدد سكانها تقريبًا حوالي 25 ألف نسمة، والقرية تشتهر بأمرين: أولًا- الدراسة وحب العلم. وثانيًا- الزراعة. بالنسبة للقرية فيها تقريبًا مئات الأشخاص من حملة الشهادة الجامعية يعني على سبيل المثال يوجد أكثر من 250 طبيبًا في القرية نفسها بين طالب طب ومتخرج عدا عن حملة باقي الشهادات كالهندسة و[باقي] الكليات والمعاهد.
تشتهر القرية بالزراعة، وطبعًا عندنا الزراعة الصيفية والزراعة الشتوية، ولدينا الحنطة وهي محصول أساسي في القرية، وعندنا في القريتين مئات الهكتارات، والقرية تقع على ضفاف نهر الفرات؛ غرب نهر الفرات، ولدينا 800 هكتار تُزرع صيفًا وشتاءً تقريبًا، ولدينا محاصيل شتوية كالحنطة وهي من المحاصيل الأساسية ضمن المنطقة؛ منطقة حوض الفرات بشكل عام، و[بالنسبة] للمحاصيل الصيفية تُزرع الخضار، مثل: الخيار والبندورة (الطماطم) والباذنجان.
والقرية فيها العديد من حملة الشهادات الجامعية، وتشتهر بحب العلم والدراسة.
بالنسبة لعدد السكان فإن بقرص وكما ذكرت مقسومة إلى قسمين، والعدد الكلي حوالي 40 ألف نسمة، يوجد في بقرص تحتاني حوالي 25 ألف نسمة، وتبعد تقريبًا عن غرب مدينة الميادين 10 كيلو مترات، وعن مركز محافظة دير الزور 30 كيلو مترًا، وبقرص كذلك هي مدينة أثرية، وتشير الدراسات إلى أنها منذ الألف السابع قبل الميلاد كانت مسكونة.
الطبيعة السكانية كما [هو حال] كل المدن والبلدات في ريف دير الزور وكل أرياف دير الزور هي طبيعة التركيبة العشائرية، وبالنسبة لقرية بقرص والتركيبة العشائرية للقرية: يسكن قرية بقرص سكان عشيرة البوسرايا بنسبة أكثر من 95%، ويوجد من باقي العشائر، ولكن الغالبية العظمى من أهل القرية هم من عشيرة البوسرايا، وكذلك يوجد ضمن القرية العديد من المدارس وعندنا جمعيات خيرية، وتعتبر بما أن عدد سكانها 40 ألف نسمة شبه مدينة، ويوجد فيها كل الخدمات سواء التمريضية أو الصحية ومتوفر فيها كل شيء.
نحن بالمجمل مثل جميع القرى طبعًا بالنسبة لانتشار العلم فإن قريتنا تُعتبر الأولى على المحافظة، وانتشار العلم كان متأخرًا من بعد الثمانينات وسابقًا لم يكن يُذكر، وكما هو معروف في القرية كان كل الاهتمام بالزراعة وتربية المواشي، ولكن في بداية أحداث الثمانينات أصبح فيها حركة أو تجمع "للإخوان المسلمين"، وكحال كل المدن والبلدات فإن عصابات الأسد اعتقلت العشرات من سكان هذه القرية، وأعدمت كذلك العديد منهم، وأفرجت بعد عشرات السنين عن قسم منهم، وبعد أحداث الثمانينات أصبح لدى الناس بعض الوعي ومع انتشار العلم أصبح لدى الناس انفتاح على الموضوع السياسي بالمجمل وبشكل عام، وكذلك بعد عام 2000 وبعد أحداث حرب العراق توسع هذا الأمر، وذهب العديد من شباب القرية إلى العراق للجهاد فيها ضد الاحتلال الأمريكي في ذلك الوقت، وبعدها عاد قسم منهم واعتُقلوا، وهنا بدأ الناس ينقمون أكثر على عصابات الأسد.
وكما هو حال كل القرى والبلدات كانت عصابات الأسد تزرع في كل قرية أذنابها من البعثيين (المنتمين لحزب البعث)، وكانوا يشكلون ضغطًا على القرية بكتابة التقارير وغيرها، وحصلت عندنا الكثير من الاعتقالات بعد حرب العراق بالإضافة إلى التدقيق الأمني الكبير كما هو حال جميع القرى وكذلك التركيز على قريتنا، وكان التركيز بسبب انتشار العلم، فأكثر ما يخيف عصابات الأسد هو انتشار العلم وتفتح الناس (وعيهم وإدراكهم) لما يجري في البلد، والذي زاد الطين بلة أن هناك العشرات من خريجي الجامعات ولكن يتفاجأ أحدهم بأنه خريج جامعي وبمستوى جيد جدًا، ويكون توظيفه في مركز صغير أو مدرسة، مثلًا: يكون مهندسًا فيُوظف في مدرسة، وكنا كباقي القرى والبلدات تقع بجانبنا حقول نفط، ويقع بالقرب من عندنا حقل العمر، وتجد أن أغلب موظفي الحقول النفطية من الطائفة العلوية، وهذا شكل نقطة ضمن المنطقة، بمعنى أن هناك من تخرّج من شبابنا، فيُوظف أحدهم كأستاذ لمدرسة، مثلًا: المهندس يضعونه في الإرشادية [الزراعية]، بينما يوجد أشخاص ليست لديهم شهادات من الطائفة العلوية أو من منطقة القرداحة واللاذقية وغيرها وبعضهم كان يأتي كعامل ( لا يحمل شهادة) وكان راتبه أفضل من رواتب الموظفين، فرواتب موظفي النفط معروفة وكانت عالية جدًا؛ وبالتالي كانت عصابات الأسد تتحكم بهذا الأمر.
كذلك كان عندنا في القرية في أغلب المدارس في القرية كانوا يزرعون فيها (يوظفون) أساتذة من كل قرى الساحل، ففي كل مدرسة هناك أستاذ أو أستاذان من الساحل، وأي شيء يحصل فإنه يصل مباشرة إلى النظام، بالإضافة إلى أذناب النظام من البعثيين وغيرهم الذين كانت تقاريرهم دورية.
بالنسبة لفترة حرب العراق وخصوصًا في بداية الحرب كان هناك تسهيل كبير إلى حد ما من النظام وقواته وأفرعه [الأمنية] بالسماح بالذهاب لمن يريد إلى العراق، فالأمور ميسرة والحدود مفتوحة على مصراعيها وأي شخص يريد الذهاب وبدون إثباتات، فأنت بإمكانك أن تركب سيارة وتذهب وتدخل إلى العراق، وحتى إذا أخطأت الطريق فإن حرس الحدود السوري يدلك ويقول لك: اخرج من هنا. وأصبح هناك تشجيع على هذا الأمر وتوجيه للناس في المساجد وتشجيع للناس على الجهاد، وأذكر أنه في تلك الفترة كانت دائمًا المساجد تحث على الجهاد في العراق، وأعتقد في وقتها حصل جمع تبرعات وجمع أموال، والكثير من الشباب ذهبوا، حتى إنه في وقتها حصلت عندنا مظاهرات، وتلك الفترة كانت عصيبة فبعض العشائر لديها تواصل، وقسم منها موجود في سورية وقسم منها في العراق، فأصبح يوجد زخم كبير وتسهيل من قوات النظام لهذا الأمر، ولكن بنفس الوقت كان التسهيل مدروسًا، يعني أي شخص يريد أن يذهب كانت قوات النظام تحصل على اسمه، ومن كل قرية أي شخص كان يخرج منها فإن النظام يعلم بذلك بناء على التقارير التي تصله وبناء على [المعابر الحدودية]، لأن هناك أشخاصًا يخرجون ويدخلون من معابر نظامية، فيخرجون ويدخلون من العراق من معبر الحسكة أو معبر البوكمال.
فكان الكثير من الشباب يأتون كحال أغلب القرى، وحتى إنه من كل سورية كان يأتي شباب من أجل الحرب والجهاد في العراق، كانوا يأتون من حلب ودمشق ودرعا، و[الأمر] كله كان مدروسًا، والتسهيل كان أمرًا غير طبيعي بالإضافة إلى التشجيع، وفي تلك الفترة يمكنك أن تتحدث بما تريد، تستطيع أن تتحدث عن الاحتلال الأمريكي وعن الغرب يعني حتى الأشخاص الذين كانت لديهم بذرة إسلامية أو جهادية في داخلهم فتجد أنها نمت في تلك الفترة، وكما ذكرت كان هناك تسهيل كبير من قبل قوات النظام أو العصابات الأمنية في وقتها وهم يعرفون كل شيء.
في [مدينة] الميادين يوجد أكثر من شخص كانوا مسؤولين عن أخذ الناس إلى العراق، فأنت كشخص عادي وإذا كنت ابن المنطقة وتريد أن تركب سيارة فإنك تقف على الشارع الرئيسي، وتركب بأي سيارة ذاهبة باتجاه العراق، فكان بإمكانك أن تذهب إلى العراق، ولم يكن هناك منع أبدًا، وكانوا يسهلون الأمر لدرجة كبيرة، ويشجعون على الأمر بشكل غير طبيعي، وأنا في ذلك الوقت كنت في الصف الخامس أو السادس الابتدائي، وكنا نخرج، ونصرخ، ونشتم الاحتلال الأمريكي والغرب، وكان ذلك بتسهيل [من الأساتذة] فتجد أن الأساتذة يقولون: الغرب والاحتلال يضربوننا وأن الدور سوف يأتي إلينا.
الحملة الأمنية حدثت بشكل عام تقريبًا في كل سورية على كل الإسلاميين، وكل من لديه القليل من الالتزام أو كان في السابق مع "الإخوان [المسلمين]"... فهناك أشخاص كانوا من أيام "الإخوان" فبدأت وقتها المداهمات والاستدعاءات، وبالنسبة لقريتنا حصل الكثير من المداهمات والاعتقالات، ويمكنهم أن يجدوا لديك كتيبًا صغيرًا، وكان أكثر ما يغيظهم كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرها ، وكانت الكتب شبه... في تلك الفترة، وفي وقتها انتشرت السيديات (الأقراص المدمجة)، وأي كتب أو "سيديات" وخصوصًا إذا كانت من السعودية ومهما كان نوعها فكانت تؤدي إلى اختفاء الشخص الذي يجدونها عنده، أذكر أن والدي- تقبله الله- كان إمام مسجد، فكان لديه عشرات الكتب، وفي تلك الفترة اضطر والدي مجبرًا إلى أن يتخلص من أغلب الكتب رغم أنه جمع الكتب و"السيديات" في تلك الفترة كان أمرًا صعبًا جدًا، فاضطر [للتخلص منها]؛ لأن المداهمات كل يوم عند شخص بالإضافة إلى الاستدعاءات الدائمة مثلما يحدث لكل السياسيين أو "الإخوان"، فيقومون باستدعائهم بشكل دائم، وكل فترة يجب أن تزور الفرع، وعلى الأقل تقوم بزيارة، فيشاهدونك فقط ثم تعود، وإذا أردت السفر يجب أن تأخذ موافقة، وإذا أردت أن تتوظف... وعمي كان مسجونًا بتهمة شبهة "إخوان"، فاضطررنا بعد تبديل الهويات بعد عام 2000 أن نغير كنية عمي؛ لأنه كان يسبب لنا الكثير من المشاكل، يعني إذا أردت أن تتوظف فإنك تحتاج إلى موافقة أمنية، ويجب عليك زيارة عدة أفرع، وإذا كنت شخصًا عاديًا فلا علاقة لك، حتى إن عمي كان معتقلًا بشبهة، وخرج عمي بعد 11 سنة تقريبًا من الاعتقال بشبهة "الإخوان"، وهذا الأمر حصل في كل القرى، فبالنسبة للتوظيف إذا كان لديك علاقة ب"الإخوان" فلا يوظفونك أو إذا كان لك أقرباء من "الإخوان" فأنت لا تستطيع أن تتوظف في أغلب الوزارات، وإذا أردت أن تتوظف كمعلم فهذا يحتاج إلى موافقة وصعوبة كبيرة، وأنت تحتاج إلى واسطة حتى تحصل على موافقة.
كما ذكرت أننا اضطررنا لتغيير كنيتنا، ونحن وأعمامي كنيتنا حنيف ما عدا عمي الذي كانت كنيته الحسن؛ لأن عمي سُجن في أيام "الإخوان"، وإذا أراد أخي السفر إلى بلد أو منطقة وكانت كنيته الحسن فإنهم يقومون بإنزاله وخصوصًا إذا كان السفر إلى لبنان أو السعودية؛ لذلك أثناء تبديل الهويات اضطررنا لتبديل كنية عمي إلى كنية جدنا؛ كي لا يحدث تضارب في الأسماء، فبقي عمي مشمولًا دائمًا، فأولاد عمي إذا أرادوا السفر فإنهم يحتاجون إلى موافقة، أو إذا أرادوا استخراج جواز سفر فإنهم يحتاجون إلى موافقة، يعني إذا أراد الذهاب إلى أي مكان فإنه يحتاج إلى موافقة أمنية، ومن المشاكل الكبرى التي كانت لدينا التصاريح الأمنية التي يجب أن تحصل عليها لأي شيء تريد أن تفعله، وأعتقد أنه في المدن كان من السهل افتتاح معهد تعليمي يعني تعليم قرآن كريم في المدارس، وأذكر أن والدي كان يريد أن يحصل على رخصة تعليم في المسجد في فترة الصيف، وكانت كل القرية بما فيها من أطفال وحتى شبابها... فكان والدي مع أكثر من شيخ من القرية مسؤولين عن أخذ الأطفال واليافعين إلى مدينة الميادين، تذهب دائمًا مسافة 11 أو 12 كيلو مترًا وتعود مسافة 11 كيلو مترًا يوميًا، وطبعًا توجد سيارات وأكثر من آلية نقل، وأذكر في وقتها الشيخ المسؤول في الميادين كان موظفًا في الأوقاف، فقال لوالدي: بما أنك دارس وملم بالأحكام لماذا لا تستصدر رخصة للتعليم في المسجد في القرية؟ وفي وقتها تقدم والدي برخصة إلى الأوقاف، فلم يبق فرع [إلا واستدعاه] فكل يوم يستدعيه فرع معين ويسأله: لماذا تريد أن تعطي دروسًا؟ ماذا تريد أن تدرس؟ وهل تريد أن تعلمهم فنون القتال أم أنك تريد تشجيعهم على القتال أو تشجيعهم على الجهاد؟! وهل تريد تدريسهم القرآن؟ وما هي علاقتك مع فلان؟ وفي أيام الإخوان أين كنت؟ فوالدي درس في السعودية لفترة، وفي وقتها بقي لعدة أشهر... وفي النهاية أصبح والدي يريد إلغاء الطلب بسبب كثرة الذهاب والمجيء، فتجدهم فجأة-أنت تعرف القرى- يتصلون على الهاتف الأرضي عند الساعة 10:00 ليلًا، ويقولون: تفضل إلينا إلى الفرع. فيذهب والدي، وعلى طريقة عصابات الأسد يُجلسون والدي لمدة ساعة أو نصف ساعة من أجل الإرهاب النفسي، وبعدها يُدخلونه، و[يسألونه]: لماذا تريد أن تعطي دروسًا؟ فيقول: نحن ننقل مئات الأطفال يوميًا واليافعين من القرية إلى المدينة في سبيل أن يتعلموا القرآن الكريم. فيقولون له: لا، يوجد هدف ثانٍ لكم. وفي النهاية اضطررنا لإدخال واسطات حتى ننتهي من هذا الأمر، واستصدروا لنا الرخصة، وكذلك كانوا كل فترة يأتون إلى المسجد، ووالدي كان هو خطيب المسجد وأذكر أن فرع الأمن السياسي كان في كل يوم جمعة يأتي بعد صلاة الجمعة[عنصر] ويأخذ دفتر الخطبة، ويقرأ الخطبة كاملة، ويدوِّنها، يعني قبل الأحداث في كل يوم جمعة يأتي عنصر من فرع الأمن السياسي إلى والدي، ويقرأ الخطبة، ويدونها، وإذا وجد شيئًا فإنه يسأله ويقول له: ماذا قلت؟ وهذا الأمر ليس خاصًا بمسجد قريتنا أو حارتنا، وإنما في كل المساجد في القرية وفي كل مساجد سورية كان يحصل نفس الأمر، وكانت أفرع الأمن تتابع ما يحصل في المسجد خطوة بخطوة.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2022/08/25
الموضوع الرئیس
سيرة ذاتيةأوضاع ما قبل الثورةكود الشهادة
SMI/OH/132-01/
رقم المقطع
01
أجرى المقابلة
بدر طالب
مكان المقابلة
اعزاز
التصنيف
مدني
المجال الزمني
قبل الثورة
المنطقة الجغرافية
محافظة دير الزور-بقرصمحافظة دير الزور-مدينة الميادينشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
حزب البعث العربي الاشتراكي

الأمن السياسي في الميادين