الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

الملاحقات الأمنية وصدى ثورات الربيع العربي على الواقع السوري

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:18:31:02

في بداية [العام] 2006 أو 2005 تقريبًا عُيّن المجرم "جامع جامع" رئيسًا للاستخبارات العسكرية في المنطقة الشرقية ودير الزور خصوصًا، هنا بدأت السطوة الأمنية تكبر عند الأفرع الأمنية؛ الأمن العسكري والسياسي مقابل الشرطة التي بدأ يقل دورها، فأخذ سلطات واسعة، وكان تقريبًا الحاكم الفعلي لدير الزور هو "جامع جامع". تقريبًا بعد فترة جيدة من استلامه أطلق حملة أمنية قوية تجاه المدن والبلدات، وكان لها هدفان؛ كان في الظاهر الهدف هو الشباب الصايع (المثير للمشاكل) وأصحاب السوابق، وفي الخفاء كان هدفها الإسلاميين وأصحاب الفكر الإسلامي، فبدأت الحملات في عام2007، فكانت المدن والبلدات دائمًا تشهد دوريات أمنية، وتشهد حواجز أمنية، في تلك الفترة إذا [أردت أن] تمشي يجب أن تكون معك هويتك، طبعًا في 2007 و2008 هذا الأمر غريب جدًا، هناك حواجز أمنية وبينما أنت تمشي فجأة ترى حاجزًا أمنيًا، لا تستطيع أن تخرج مساءً؛ لأنَّ أغلب الدوريات حملاتها مسائية، وربما تُعتقَل إذا لم تكن حاملًا هويتك، وإذا ركبت موتورًا (دراجة نارية) وعمرك صغير مثلًا فإنهم يأخذونك أنت و"الموتور"، فبدأ التضييق على المدن والبلدات بتلك الطريقة، في نفس الوقت كان يشدد في الحملات الأمنية على اللباس وعلى الشكل، وفي إحدى المرات دوريات الأمن العسكري كانت تتجول في قريتنا، فوقفوا عند تقاطع طرق، كان هناك محل، وكان صاحب المحل يطلق لحية خفيفة، فقال له مسؤول الدورية: حين أنهي الدورية قرابة ربع ساعة سأتجول في القرية وأرجع وإذا رأيت اللحية [سأحاسبك]… فاضطر صاحب المحل أن يحلق لحيته فورًا، فكان التشديد في الظاهر هو تنظيم للأمن، ولكنه فعليًا كان هدفه الإسلاميين بالدرجة الأولى، وحصلت عدة مداهمات لعدة أشخاص في قريتنا، وكان التفتيش دقيقًا جدًا، كانوا يفتشون على "السيديات" (الأقراص الصلبة) والكتب، وكان هناك تشديد بشكل خاص على الكتب التي مصدرها سعودي، وهذا يعتبر جرمًا، واعتُقل العديد من الأشخاص ليس في قريتنا فقط، بل في أغلب القرى والبلدات في تلك الفترة، ومن الحملات الأمنية التي قام بها موضوع التفتيش على أغلب الذين كانوا سابقًا في الإخوان أو المتهمين بأنهم سلفيون، أغلبهم فُتشت بيوتهم ومن وجدوا عنده "سيديات" -كان في تلك الفترة انتشار "للسيديات" والكتب- كان يُعتقَل أو يُضطر أن يدفع أموالًا ليخرج ، أذكر أن أحد الأشخاص من جيراننا أمسكوا عنده بعض "السيديات" الدينية فأخذوه، وتفاوض هو والضابط وفي النهاية اتفق هو والضابط على طريقة معينة، وفي النهاية الضابط قال له: انزل إلى السوق اجلب لي أي "سيديات" عامة، "سيديات" قرآن لنبدلها بـ"السيديات" الموجودة. فتم الأمر، فكانت الحملات تستهدف الإسلاميين في وقتها والذين كانوا من "الإخوان المسلمين". 

في بداية 2009 دخلت الجامعة، وأثناء التسجيل حين نخرج من القرى إلى المدن كانت دائمًا الوصية الأولى: أمران لا تتدخل بهما-هذه وصية أهلنا دائمًا- السياسة بالدرجة الأولى والتكلم عن الوضع العام، وبالدرجة الأولى كانوا يقولون لك: لا تتكلم بالسياسة مهما كان نوع الكلام أو الأشخاص، فسجلنا في الجامعة في عام 2009 ، وكان [معنا] من مختلف الطوائف والمحافظات، وكان الهدف أولًا الدراسة، فلا يمكنك أن تتكلم عن أي شيء، ولا تستطيع أن تتكلم عن أي شيء، والوضع عام في 2009 لم يكن هناك شيء... وبالمجمل تكلَّم بكل شيء ماعدا السياسة، واعمل في كل شيء ماعدا السياسة، والمقصود السياسة والدين في الوقت نفسه. يوجد أشخاص من عندنا استُدعوا إلى فرع الأمن العسكري في حلب أو الأمن السياسي فقط؛ لأنَّهم كانوا يطلقون اللحى وهم شباب كانوا طلابًا في جامعة حلب، وكانوا ملتزمين قليلًا وأغلب أوقاتهم يقضونها في الصلاة والمسجد، فكانوا يطلقون لحاهم نوعًا ما، فتم استدعاؤهم إلى الفروع الأمنية أكثر من مرة، ففي اليوم الذي دخلنا فيه إلى الجامعة كانت الوصية هي: ابتعد عن السياسة ولا تتكلم أمام أي أحد في أي موضوع سياسي. 

بالمجمل في الجامعة كان للعلويين الدرجة الأولى في السطوة تستطيع أن تقول ذلك، كانت أمورهم ميسرة مقابل باقي الطوائف أو باقي الفئات، فكان بإمكانهم التسجيل بشكل يسير، وقسم من الفروع كانوا يأتون من الكليات الحربية وكلهم أبناء ضباط أو أقرباء ضباط، فكانت لهم أولوية ولهم تيسير في الأمور، فإذا حصلت معك مشكلة ما كطالب فمن الممكن أن تتعب من أجل حلها، بينما الطلاب العلويون فبإمكان الواحد منهم أن يقول له: أنا من المنطقة الفلانية فتتيسر أموره. 

في بداية الثورة في تونس كانت الأحاديث العامة كلها تدور حول [عدة أسئلة]: لماذا قامت الثورة في تونس؟ ولماذا البوعزيزي أحرق نفسه؟ وبدأت الحالة الاقتصادية في البلدان العربية... فكانت أغلب الجلسات والنقاشات سواء كنا في الجامعة أو في منازلنا تتحدث بأنَّ هذه المشكلة مشكلة عامة؛ مشكلة الوضع الاقتصادي والسياسي والحريات في كل الدول العربية، ولكن اشتعلت في تونس فبدأت منها، فكان أغلب النقاشات تدور حول سؤال: هل من الممكن أن تنتقل تلك العدوى إلى باقي الدول العربية؟ وكانت تحتاج إلى نقاشات طويلة بيننا كطلاب، وبعض الناس يقولون: لا، نحن مثلًا نختلف عن تونس كثيرًا فالذي يستلمنا (يحكمنا) رجل فهمان (عاقل وحكيم) واتضح أنه ليس كذلك أبدًا، وكان [الحديث] أنَّه لن يحصل لدينا شيء كهذا، وهناك أشخاص يقولون: لا، سيحصل وستأتينا العدوى. وكان متوقعًا أن تنتقل إلى أغلب الدول العربية، وحتى إنه كان متوقعًا أن تنتقل إلى مصر وغيرها، وحين بدأت بالانتقال إلى الدول الأخرى صرنا نقول: من الممكن في أي لحظة أن تنطلق عندنا. بمعنى تنطلق احتجاجات وأقل ما تطالب به هو تحسين الوضع المعيشي، فقد كان الوضع المعيشي متوسطًا بالمجمل، ولكن الحريات كانت تحت الصفر، فبالنسبة للحريات كان بإمكانك أن تتكلم عن كل شيء ما عدا الموضوع السياسي، وبإمكانك أن تتحدث عن أي شيء ماعدا أن تتحدث وتذهب باتجاه الموضوع السياسي أو الديني فإنه ممنوع، تكلم بكل شيء وافعل كل شيء ماعدا هذه الأمور. 

بعد هروب [زين العابدين] بن علي وسقوط [حسني] مبارك بدأ الناس يتفاءلون أكثر، بمعنى أن هناك استجابة من الإدارة العليا التي تسيطر على الدولة، في وقتها بدأ الناس [يقولون]: هل من الممكن أن يحصل لدينا؟ هل من الممكن أن يحصل لدينا على الأقل القليل من التحسينات للوضع؟ هل من الممكن أن يحصل لدينا تعددية حزبية وسياسية؟ وهل بإمكانك أن تتكلم بموضوع سياسي دون أن تخاف؟ فصار لغط كبير في الجامعة، فالناس كانوا يترقبون في أي لحظة ستنطلق الشرارة؟ وحين تنطلق لا أحد يعرف الأمور كيف ستحصل، فهروب بن علي وسقوط مبارك شجع الناس لدرجة كبيرة بأن تطالب بحقوقها، فأبسط الحقوق أن تتكلم بحرية، ولك كامل الحرية السياسية والاعتقاد والممارسة الدينية، قبل ذلك لم يكن بإمكانك الحديث بهذه الأمور أبدًا، فصار أغلب طلاب الجامعات يتحدثون قائلين: من الممكن أن يحصل عندنا هذا الأمر، ومن الممكن أن يحصل عندنا تحسين للواقع السياسي في البلد، كان أغلب الناس يتكلمون عن التحسينات إلى أن بدأت الثورة في مظاهرة 15 آذار/ مارس.

قبل أن تخرج المظاهرة كان الحديث أنّه سيخرج لدينا أشخاص يطالبون بالتحسينات، ومنذ 15 آذار/ مارس بدأت الأخبار بأنَّه خرجت مظاهرة في دمشق لتحسين الوضع المعيشي وكانت في وقتها ضد المحافظ والبلدية، فكان الرد... فهناك شيء داخل الناس بدأ يخرج، فانطلق من حادثة معينة، واضطر الناس أن يخرجوا، وهذه المشكلة عامة ومن الممكن أن تخرج في أي منطقة، ولكن فجرها موقف معين في دمشق فخرجت المظاهرة، وهنا أيقن الناس أنه يجب أن يحصل تحسين للوضع المعيشي ووضع الحريات في البلد. 

حين بدأت المظاهرة في درعا كان بالمجمل التعتيم الإعلامي قوي جدًا، فحين خرجت المظاهرة في درعا كان أغلب الناس يتابعون قناة "الجزيرة" وغيرها، وفوجئ والناس بأن المظاهرة خرجت، فبدؤوا فورًا [بشعار] إسقاط النظام وغيره، فكانت فترة قريبة من 15 إلى 18 آذار/ مارس، والمطالبة أولًا بتحسين الوضع المعيشي وبعد ذلك إسقاط النظام ومشكلة كبيرة حدثت في درعا، فصار الناس يبحثون عن الحقيقة، فما الذي حصل في درعا؟ ونحن كان معنا طلاب من درعا صرنا نسألهم، فهناك طلاب من درعا يقولون لك: لا نعرف. فهو فعليًا الواقع على الأرض لا يعرفه. فحدثت مشكلة كبيرة، وخرجت المظاهرة، فأنا وأغلب الشباب... فصار الناس يبحثون عن الحقيقة؛ هل من المعقول أنه حدث اعتقال وحدث ضرب وحدث شهداء؟! فصار هناك لغط، وفي بداية الثورة صار الناس يقولون: من الممكن أنه تحشيد غربي لإسقاط-كما كان يتحدث النظام- محور المقاومة، فالناس بما فيهم طلاب الجامعة كانوا يريدون أن يسمعوا الحقيقة وأن يعرفوا ما هو الوضع، وأنا من الأشخاص الذين صاروا يسألون شباب درعا، [نقول لأحدهم]: يا أخي، احكي لنا ماذا حصل عندك. فيقول لك: لا أعرف. وبعض شباب درعا بعد المظاهرة في وقتها سافروا إلى مدنهم وبلداتهم. وبعد المظاهرة صار الحديث الإعلامي بأنَّ الأسد (بشار الأسد) سيخرج ويتكلم عن إصلاحات، وسيتكلم عن الوضع المعيشي العام في البلد، فعندها صار الناس يترقبون بين المظاهرة التي حصلت والمشكلة التي حصلت في درعا يعني بداية انطلاق المظاهرات، وصار فيها اعتقالات وشهداء، وفي ذات الوقت صاروا يترقبون خروج المجرم ليتكلم، والناس كلهم صاروا يترقبون. وعندها الناس في الجامعة صاروا ينتظرون، وحدث تحشيد في وقتها من كل الكليات، وحدث تعطيل للكليات ومسيرات وأن هناك تضخيمًا إعلاميًا ضد البلد، وفي وقتها الكليات كلها بعد أسبوع عطلت، وخرج الناس في مسيرات، وعندها حددوا أنه في آخر شهر آذار/ مارس سيكون هناك خطاب للمجرم بشار الأسد، وهنا الناس كلهم صاروا ينتظرون لأنَّ الخطاب سيوضح كل شيء. وفي وقت الخطاب كنا في الكليات، فتم تعطيل الدراسة، ووضعونا في قاعة كبيرة لننتظر الخطاب، وبدأ الخطاب، وهنا أيضًا كانت الصدمة الكبرى عند أغلب الطلاب الذين كانوا مازالوا يظنون أنه من الممكن... فالناس مازالوا يريدون إصلاحات، وكان يتكلم في وادٍ والناس في وادٍ آخر، ويتكلم بأن هناك "مؤامرة" ولم يكن قد حصل شيء بعد، كانت هناك مظاهرة أو مظاهرتان تطالبان بتحسين الوضع المعيشي والمشكلة التي حصلت مع المجرم عاطف نجيب في وقتها، وكان يتحدث عن مؤامرة و[يقول:] نحن سنحاربها. وهنا أغلب الذين كانوا مترددين صاروا يقولون: " لا، يجب على الناس أن يقوموا ضد هذا النظام." فالفاصل كان الخطاب، والدليل أنَّ الرجل منفصل عن الواقع، والجبروت والسطوة التي لديه [جعلته يقول:] من هؤلاء الناس لأرد عليهم؟! وتحدث عن بعض الإصلاحات، ولكن أغلب خطابه أنَّنا لدينا مؤامرة... ويتكلم في غير عالم، "الناس أين؟ وأنت أين؟" وعندها الناس في الكليات بدؤوا يأخذون منحى آخر، وبدؤوا يقولون: "هذا... ماذا يتكلم؟! " فهناك مشكلة في درعا هل من المعقول أن يخرج ويقول: هناك أشخاص مخربون وأشخاص يسعون لتخريب البلد...؟ فأنت لديك مشكلة، ولم يتحدث عن المشكلة، ولم يتطرق لها وتحدث بشكل عام، لم يتحدث عن جذور المشكلة وأسباب المشكلة وحلول المشكلة، فتحدث بشكل إجمالي، وعندها أصبحت نسبة كبيرة من طلاب الجامعة تفكر مليًا بالموضوع: هل من المعقول أن هذا هو رئيسنا الذي تسلّم...؟ ألا يجب أن يقول له الناس: اصح على نفسك (استفق)! وبعد الخطاب حدث انقلاب كبير في كل جامعة حلب، وبعده صار انقلاب كبير بالآراء والمواقف، فصارت لدينا جلسات [نقول فيها]: بالفعل يجب علينا أن نتحرك. ودارت نقاشات بأنَّ هذا يتكلم أين ونحن أين (منفصل عن الواقع) والبلد تمر بوضع اقتصادي تنتقل فيه من وسط إلى سيئ، ووضع الحريات من سيئ إلى أسوأ، وهو يتحدث عن المؤامرة وغيرها، وهنا بدأ الناس يتكلمون فيما بينهم بأنَّه يجب علينا بالفعل أن نقوم.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2022/08/29

الموضوع الرئیس

إرهاصات الثورة السوريةأوضاع ما قبل الثورة

كود الشهادة

SMI/OH/132-04/

رقم المقطع

04

أجرى المقابلة

بدر طالب

مكان المقابلة

اعزاز

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2006 - 2011

المنطقة الجغرافية

محافظة دير الزور-بقرصمحافظة حلب-مدينة حلب

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

جامعة حلب (نظام)

جامعة حلب (نظام)

قناة الجزيرة

قناة الجزيرة

فرع الأمن العسكري في دير الزور 243

فرع الأمن العسكري في دير الزور 243

فرع الأمن السياسي في حلب

فرع الأمن السياسي في حلب

الشهادات المرتبطة